سوال

أرجو تحقيق أبيات عبد الله بن المبارك: يا عابد الحرمين ... إلخ.

جواب

أقول وبالله التوفيق: إن هذه الأبيات ذكرها الحافظ أبو القاسم على بن الحسين  المعروف بابن عساكر رحمه الله (المتوفى: 571ه) في كتابه: "تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلّها من الأماثل"، والحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد  الذهبي رحمه الله (المتوفى: 748ه) في كتبها الثلاثة ("تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام"، و"سير أعلام النبلاء"، و"تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال")، وغيرهما من المصنفين-رحمهم الله- في كتبهم. وقد ذكر الحافظ ابن عساكر-رحمه الله- هذه الأبيات بسنده المتصل الطويل إلى سيدنا عبد الله بن المبارك-رحمه الله-، فقال-رحمه الله-:

"أنبأنا أبو الغنائم محمّد بنُ علي بنِ ميمون، أنا محمّد بنُ علي بنِ الحسن بنِ عبد الرحمن العلويُّ، أنا أبو المفضّل محمّد بنُ عبد الله بنِ المطلب الشّيبانيُّ، قال: أملى علينا أبو محمّد عبد الله بنُ سعيد بنِ يحيى الكريزيُّ بِنصيبين حِفظاً، ح وأخبرنا أبو الحسن علي بنُ المسلم الفرضيُّ، أنا نجا بنُ أحمد، أنا أبو طاهر محمّد بنُ نصر الخطيب السّمنجانيُّ، أنا أبو نصر احمد بن شاه المروزيُّ، أنا أبو المفضّل محمّد بنُ عبد الله الشّيبانيُّ، قال: أملى علينا أبو محمد عبد الله بنُ محمّد بنِ سعيد بنِ يحيى القاضيْ بِنصيبين في مسجد الرمان، قال: أملاه علىَّ محمد بنُ إبراهيم بنِ أبي سكينة، قال: أملى عليَّ عبد الله بنُ المبارك هذه الأبيات بِطرسوس، وودعتُه لِلخروج، وأنفذها مَعيْ إلى الفُضيل بنِ عِياضٍ في سنة سبعين ومائة، وفي حديث أبي الغنائم: سنة سبعٍ وسبعين: 

يَا عَابِدَ الحَرَمَينِ لَوْ أَبْصَرْتَنَا ... لَعَلِمْتَ أنَّك فِي الْعِبَادَةِ تَلْعَبُ

مَن كَانَ يَخضِبُ خدَّهُ بِدُمُوْعِهِ ... فَنُحُوْرُنَا بِدِمَائِنَا تَتَخَضَّبُ

أَوْ كَانَ يُتعِبُ خَيْلَهُ فِيْ بَاطِلٍ ... قَخُيُوْلُنَا يَوْمَ الصَّبِيْحَةِ تَتْعَبُ

رِيْحُ العَبِيْرُ لَكُمْ وَنَحْنُ عَبِيْرُنَا ... رَهَجُ السَّنابِكِ وَالْغُبَارُ الأَطْيَبُ

وَلَقَدْ أَتَانَا مِنْ مَقَالِ نَبِيِّنَا ...  قَوْلٌ صَحِيْحٌ صَادِقٌ لَا يَكْذِبُ

لَا يَسْتَوِيْ وَغُبَارُ خَيْلِ اللهِ فِيْ ... أَنْفِ امْرِئٍ ودُخانُ نَارٍ تَلْهَبُ 

 هَذَا كتابُ اللهِ يَنْطِقُ بَيْنَنَا  ...  لَيْسَ الشَّهِيْدُ بِمَيِّتٍ لا يَكْذِبُ 

فلقِيتُ الفضيل بن عياض في مسجد الحرام بكتابه، فلما قرأه ذرفتْ عيناه، ثمّ قال: صدق أبو عبد الرحمن، ونَصحَنيْ، ثمّ قال: أنتَ ممن يكتبُ الحديث، قلتُ: نعم يا أبا علِيْ، قال: فاكتبْ هذا الحديث -كِراءُ حَمْلِك كتابُ أبي عبد الرحمن إلينا-، وأملى عليَّ الفضيل، نا منصور بنُ المعتمر عن أبي صالحٍ عن أبي هُريرة-رضي الله عنه- أنّ رجلاً قال: يا رسولَ الله، علِّمْنيْ عملاً أنالُ به ثوابَ المجاهدين في سبيلِ الله، فقال له النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: هل تَستطيعُ أنْ تُصلِّيَ فلا تَفتُرْ، وتَصُومَ فلا تَفطُرْ، فقال: يا نبيَّ الله، أنا أضعفُ مِن أنْ أستطيعَ ذلك، ثمّ قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: فوالَّذِيْ نَفسِيْ بِيده لَوْ طوَّقتَ ذلك مَا بلغتَ فضلَ المجاهدين في سبيل الله، أما علِمتَ أنّ فرسَ المجاهدين لَيستنُّ في طُولِه، فتُكتبُ بذلك الحسنات". 

(تاريخ مدينة دمشق، ج:32، ص:449-450، ط: دار الفكر-بيروت)

فقط والله أعلم